الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***
{حم (1)} {حم} الله أعلم بمراده به.
{وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)} {والكتاب} القرآن {المبين} المظهر الحلال من الحرام.
{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3)} {إِنَّا أنزلناه فِى لَيْلَةٍ مباركة} هي ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان، نزل فيها من أم الكتاب أي: اللوح المحفوظ من السماء السابعة إلى السماء الدنيا {إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ} مخوّفين به.
{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)} {فِيهَا} أي في ليلة القدر أو ليلة النصف من شعبان {يُفْرَقُ} يفصل {كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} محكم من الأرزاق والآجال وغيرهما التي تكون في السنة إلى مثل تلك الليلة.
{أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)} {أَمْراً} فرقاً {مّنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} الرسل محمداً ومَن قبله.
{رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)} {رَحْمَةً} رأفة بالمرسل إليهم {مّن رَّبّكَ إِنَّهُ هُوَ السميع} لأقوالهم {العليم} بأَفعالهم.
{رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)} {رَبِّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} برفع رب خبر ثالث وبجره بدل من ربِّك {إِن كُنتُمْ} يا أهل مكة {مُّوقِنِينَ} بأنه تعالى ربّ السموات والأرض فأيقنوا بأن محمداً رسوله.
{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)} {لاَ إله إِلاَّ هُوَ يُحْىِ وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَائِكُمُ الأولين}.
{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)} {بْل هُمْ فَى شَكٍّ} من البعث {يَلْعَبُونَ} استهزاء بك يا محمد فقال: (اللهم أعنِّي عليهم بسبع كسبع يوسف).
{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)} قال تعالى: {فارتقب} لهم {يَوْمَ تَأْتِى السماء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} فأجدبت الأرض واشتدّ بهم الجوع إلى أن رأوا من شدّته كهيئة الدخان بين السماء والأرض.
{يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)} {يَغْشَى الناس} فقالوا {هذا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)} {رَّبَّنَا اكشف عَنَّا العذاب إِنَّا مْؤْمِنُونَ} مصدِّقون نبيَّك.
{أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)} قال تعالى: {أنى لَهُمُ الذكرى} أي لا ينفعهم الإِيمان عند نزول العذاب {وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ} بيِّن الرسالة.
{ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)} {ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ} أي يعلمه القرآن بشر {مَّجْنُونٌ}.
{إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)} {إِنَّا كَاشِفُواْ العذاب} أي الجوع عنكم زمناً {قَلِيلاً} فكشف عنهم {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} إلى كفركم فعادوا إليه.
{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)} اذكر {يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى} هو يوم بدر {إِنَّا مُنتَقِمُونَ} منهم، والبطش الأخذ بقوّة.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (17)} {وَلَقَدْ فَتَنَّا} بلونا {قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ} معه {وَجَاءهُمْ رَسُولٌ} هو موسى عليه السلام {كَرِيمٌ} على الله تعالى.
{أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (18)} {أن} أي بأن {أَدُّواْ إِلَىَّ} ما أدعوكم إليه من الإِيمان، أي أظهروا إيمانكم بالطاعة لي يا {عِبَادَ الله إِنّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ} على ما أُرسلت به.
{وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آَتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (19)} {وَأَن لاَّ تَعْلُواْ} تتجبروا {عَلَى الله} بترك طاعته {إِنِّى ءَاتِيكُمْ بسلطان} برهان {مُّبِينٍ} بيِّن على رسالتي فتوعَّدوه بالرجم.
{وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (20)} فقال {وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ} بالحجارة.
{وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (21)} {وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى} تصدقوني {فاعتزلون} فاتركوا أذاي فلم يتركوه.
{فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (22)} {فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ} أي بأن {هَؤُلاَء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ} مشركون.
{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)} فقال تعالى: {فَأَسْرِ} بقطع الهمزة ووصلها {بِعِبَادِى} بني إسرائيل {لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} يتبعكم فرعون وقومه.
{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (24)} {واترك البحر} إذا قطعته أنت وأصحابك {رَهْواً} ساكناً منفرجاً حتى يدخله القبط {إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ} فاطمأن بذلك فأغرقوا.
{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25)} {كَمْ تَرَكُواْ مِن جنات} بَساتين {وَعُيُونٍ} تجري.
{وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26)} {وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} مجلس حسن.
{وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27)} {وَنَعْمَةٍ} متعة {كَانُواْ فِيهَا فاكهين} ناعمين.
{كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (28)} {كذلك} خبر مبتدأ، أي الأمر {وأورثناها} أي أموالهم {قَوْماً ءَاخَرِينَ} أي بني إسرائيل.
{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ (29)} {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السماء والأرض} بخلاف المؤمنين يبكي عليهم بموتهم مصلاهم من الأرض ومصعد عملهم من السماء {وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ} مؤخرين للتوبة.
{وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30)} {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِى إسراءيل مِنَ العذاب المهين} قتل الأبناء واستخدام النساء.
{مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ الْمُسْرِفِينَ (31)} {مِن فِرْعَوْنَ} قيل بدل من العذاب بتقدير مضاف، أي عذاب وقيل حال من العذاب {إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِّنَ المسرفين}.
{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (32)} {وَلَقَدِ اخترناهم} أي بني إسرائيل {على عِلْمٍ} منا بحالهم {عَلَى العالمين} أي عالمي زمانهم العقلاء.
{وَآَتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآَيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ (33)} {وءاتيناهم مِنَ الأيات مَا فِيهِ بلاؤا مُّبِينٌ} نعمة ظاهرة من فلق البحر والمن والسلوى وغيرها.
{إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ (34)} {إِنَّ هؤلاءآء} أي كفار مكة {لَيَقُولُونَ}.
{إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (35)} {إِنْ هِىَ} ما الموتة التي بعدها الحياة {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} أي وهم نطف {وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ} بمبعوثين أحياء بعد الثانية.
{فَأْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (36)} {فَأْتُواْ بِئَابَائِنَا} أحياء {إِن كُنتُمْ صادقين} أنا نبعث بعد موتنا، أي نحيا.
{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37)} {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ}؟ هو نبي أو رجل صالح {والذين مِن قَبْلِهِمْ} من الأمم {أهلكناهم} بكفرهم والمعنى ليسوا أقوى منهم وأهلكوا {إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38)} {وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ} بخلق ذلك حال.
{مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39)} {مَا خلقناهما} وما بينهما {إِلاَّ بالحق} أي محقين في ذلك ليُسْتَدَلَ به على قدرتنا ووحدانيتنا وغير ذلك {ولكن أَكْثَرَهُمْ} أي كفار مكة {لاَّ يَعْلَمُونَ}.
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)} {إِنَّ يَوْمَ الفصل} يوم القيامة يفصل الله فيه بين العباد {ميقاتهم أَجْمَعِينَ} للعذاب الدائم.
{يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (41)} {يَوْمَ لاَ يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى} بقرابة أو صداقة، أي لا يدفع عنه {شَيْئاً} من العذاب {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} يمنعون منه، ويوم بدل من يوم الفصل.
{إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42)} {إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله} وهم المؤمنون فإنه يشفع بعضهم لبعض بإذن الله {إِنَّهُ هُوَ العزيز} الغالب في انتقامه من الكفار {الرحيم} بالمؤمنين.
{إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43)} {إِنَّ شَجَرَتَ الزقوم} هي من أخبث الشجر المر بتهامة ينبتها الله تعالى في الجحيم.
{طَعَامُ الْأَثِيمِ (44)} {طَعَامُ الأثيم} أبي جهل وأصحابه ذوي الإِثم الكبير.
{كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45)} {كالمهل} أي كدِردِيِّ الزيت الأسود خبر ثان {يَغْلِى فِى البطون} بالفوقانية خبر ثالث وبالتحتانية حال من المهل.
{كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46)} {كَغَلْىِ الحميم} الماء الشديدة الحرارة.
{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47)} {خُذُوهُ} يقال للزبانية: خذوا الأَثيم {فاعتلوه} بكسر التاء وضمها جُرُّوه بغلظة وشدة {إلى سَوَاءِ الجحيم} وسط النار.
{ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)} {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الحميم} أي من الحميم الذي لا يفارقه العذاب فهو أبلغ مما في آية {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الحميم} [19: 22].
{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} يقال له: {ذُقْ} أي العذاب {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} بزعمك وقولك ما بين جبليها أعز وأكرم مني.
{إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)} ويقال لهم: {إِنَّ هَذَا} الذي ترون من العذاب {مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} فيه تشكون.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51)} {إِنَّ المتقين فِى مَقَامٍ} مجلس {أَمِينٍ} يؤمن فيه الخوف.
{فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52)} {فِي جنات} بساتين {وَعُيُونٍ}.
{يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53)} {يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ} أي ما رق من الديباج وما غلظ منه {متقابلين} حال، أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لدوران الأسرة بهم.
{كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (54)} {كذلك} يقدر قبله الأمر {وزوجناهم} من التزويج أو قرناهم {بِحُورٍ عِينٍ} بنساء بيض واسعات الأعين حسانها.
{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آَمِنِينَ (55)} {يَدْعُونَ} يطلبون الخدم {فِيهَا} أي الجنة أن يأتوا {بِكلِّ فاكهة} منها {ءَامِنِينَ} من انقطاعها ومضرتها ومن كل مخوّف حال.
{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (56)} {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الأولى} أي التي في الدنيا بعد حياتهم فيها، قال بعضهم إلا بمعنى بعد {ووقاهم} ربهم {عَذَابَ الجحيم}.
{فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (57)} {فَضْلاً} مصدر بمعنى تفضلاً منصوب بتفضل مقدراً {مِّن رَّبّكَ ذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم}.
{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)} {فَإِنَّمَا يسرناه} سهلنا القرآن {بِلَسَانِكَ} بلغتك لتفهمه العرب منك {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعظون فيؤمنون بك لكنهم لا يؤمنون.
{فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (59)} {فارتقب} انتظر هلاكهم {إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ} هلاكك، وهذا قبل نزول الأمر بجهادهم [4: 47].
{حم (1)} {حم} الله أعلم بمراده به.
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} {تَنزِيلُ الكتاب} القرآن مبتدأ {مِنَ الله} خبره {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه.
{إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)} {إِنَّ فِى السموات والأرض} أي في خلقهما {لأيات} دالة على قدرة الله تعالى ووحدانيته تعالى {لِلْمُؤْمِنِينَ}.
{وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4)} {وَفِى خَلْقِكُمْ} أي في خلق كل منكم من نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن صار إنساناً {وَ} خَلْق {مَا يَبُثُّ} يفرق في الأرض {مِن دَابَّةٍ} هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم {ءايات لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} بالبعث.
{وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (5)} {وَ} في {اختلاف اليل والنهار} ذهابهما ومجيئهما {وَمَا أَنَزَلَ الله مِنَ السماء مَّن رِزْقٍ} مطر لأنه سبب الرزق {فَأَحْيَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرياح} تقليبها مرة جنوباً ومرة شمالاً وباردة وحارّة {ءايات لّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} الدليل فيؤمنون.
{تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآَيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6)} {تِلْكَ} الآيات المذكورة {ءايات الله} حججه الدالة على وحدانيته {نَتْلُوهَا} نقُصُّهَا {عَلَيْكَ بالحق} متعلق ب «نتلو» {فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله} أي حديثه وهو القرآن {وءاياته} حججه {يُؤْمِنُونَ}؟ أي كفار مكة، أي لا يؤمنون وفي قراءة بالتاء.
{وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7)} {وَيْلٌ} كلمة عذاب {لّكُلِّ أَفَّاكٍ} كذّاب {أَثِيمٍ} كثير الإِثم.
{يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8)} {يَسْمَعُ ءايات الله} القرآن {تتلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ} على كفره {مُسْتَكْبِراً} متكبراً عن الإِيمان {كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} مؤلم.
{وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آَيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9)} {وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءاياتنا} أي القرآن {شَيْئاً اتخذها هُزُواً} أي مهزوءاً بها {أولئك} أي الأفّاكون {لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ} ذو إهانة.
{مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10)} {مِّن وَرَائِهِمْ} أي أمامهم لأنهم في الدنيا {جَهَنَّمُ وَلاَ يُغْنِى عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ} من المال والفعال {شَيْئاً وَلاَ مَا اتخذوا مِن دُونِ الله} أي الأصنام {أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
{هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (11)} {هذا} أي القرآن {هُدًى} من الضلالة {والذين كَفَرُواْ بئايات رَبّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ} حظ {مّن رّجْزٍ} أي عذاب {أَلِيمٌ} موجع.
{اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12)} {الله الذى سَخَّرَ لَكُمُ البحر لِتَجْرِىَ الفلك} السفن {فِيهِ بِأَمْرِهِ} بإذنه {وَلِتَبْتَغُواْ} تطلبوا بالتجارة {مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)} {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى السموات} من شمس وقمر ونجوم وماء وغيره {وَمَا فِى الأرض} من دابة وشجر ونبات وأنهار وغيرها أي خلق ذلك لمنافعكم {جَمِيعاً} تأكيد {مِنْهُ} حال، أي سخرها كائنة منه تعالى {إِنَّ فِى ذلك لأيات لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيها فيؤمنون.
{قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)} {قُل لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ} يخافون {أَيَّامَ الله} وقائعه، أي اغفروا للكفار ما وقع منهم من الأذى لكم وهذا قبل الأمر بجهادهم [4: 47] {لِيَجْزِىَ} أي الله وفي قراءة بالنون {قَوْماً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الغفر للكفار أذاهم.
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)} {مَّنْ عَمِلَ صالحا فَلِنَفْسِهِ} عَمِل {وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا} أساء {ثُمَّ إلى رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ} تصيرون فيجازي المصلح والمسيء.
{وَلَقَدْ آَتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (16)} {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا بَنِى إسراءيل الكتاب} التوراة {والحكم} به بين الناس {والنبوة} لموسى وهارون منهم {ورزقناهم مِّنَ الطيبات} الحلالات كالمنّ والسلوى {وفضلناهم عَلَى العالمين} عالمي زمانهم العقلاء.
{وَآَتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17)} {وءاتيناهم بينات مِّنَ الأمر} أمر الدين من الحرام والحلال وبعثة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام {فَمَا اختلفوا} في بعثته {إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ العلم بَغْيًا بَيْنَهُمْ} أي لبغْي حدث بينهم حسداً له {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}.
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18)} {ثُمَّ جعلناك} يا محمد {على شَرِيعَةٍ} طريقة {مِنَ الأمر} أمر الدين {فاتبعها وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الذين لاَ يَعْلَمُونَ} في عبادة غير الله.
{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)} {إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ} يدفعوا {عَنكَ مِنَ الله} من عذابه {شَيْئاً وَإِنَّ الظالمين} الكافرين {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ والله وَلِىُّ المتقين} المؤمنين.
{هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20)} {هذا} القرآن {بَصَائِرُ لِلنَّاسِ} معالم يتبصرون بها في الأحكام والحدود {وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} بالبعث.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21)} {أَمْ} بمعنى همزة الإِنكار {حَسِبَ الذين اجترحوا} اكتسبوا {السيئات} الكفر والمعاصي {أَن نَّجْعَلَهُمْ كالذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات سَوَاءٌ} خبر {محياهم ومماتهم} مبتدأ ومعطوف والجملة بدل من الكاف والضميران للكفار، والمعنى: أحسبوا أن نجعلهم في الآخرة في خير كالمؤمنين أي في رغد من العيش مُساوٍ لعيشهم في الدنيا حيث قالوا للمؤمنين: لئن بعثنا لنعطى من الخير مثل ما تعطون؟ قال تعالى على وفق إنكاره بالهمزة: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} أي ليس الأمر كذلك فهم في الآخرة في العذاب على خلاف عيشهم في الدنيا والمؤمنون في الآخرة في الثواب بعملهم الصالحات في الدنيا من الصلاة والزكاة والصيام وغير ذلك و«ما» مصدرية أي بئس حكماً حكمهم هذا.
{وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22)} {وَخَلَقَ الله السموات وَ} خلق {الأرض بالحق} متعلق بخلق ليدلّ على وحدانيته وقدرته {ولتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} من المعاصي والطاعات فلا يساوي الكافر المؤمن {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)} {أَفَرَءَيْتَ} أخبرني {مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} ما يهواه من حجر بعد حجر يراه أحسن {وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} منه تعالى: أي عالماً بأنه من أهل الضلالة قبل خلقه {وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} فلم يسمع الهدى ولم يعقله {وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غشاوة} ظلمة فلم يبصر الهدى، ويقدر هنا المفعول الثاني لرأيت أيهتدي؟ {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} أي بعد إضلاله إياه أي لا يهتدي {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} تتعظون؟ فيه إدغام إحدى التاءين في الذال.
{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24)} {وَقَالُواْ} أي منكروا البعث {مَا هِىَ} أي الحياة {إِلاَّ حَيَاتُنَا} التي في {الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا} أي يموت بعض ويحيا بعض بأن يولدوا {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر} أي مرور الزمان قال تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ} المقول {مِّنْ عِلْمٍ إِن} ما {هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ}.
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآَبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (25)} {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا} من القرآن الدالة على قدرتنا على البعث {بينات} واضحات حال {مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بِئَابَائِنَا} أحياء {إِن كُنتُمْ صادقين} أنا نبعث.
{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26)} {قُلِ الله يُحْيِيكُمْ} حين كنتم نطفاً {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ} أحياء {إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ} شك {فِيهِ ولكن أَكْثَرَ الناس} وهم القائلون ما ذكر {لاَّ يَعْلَمُونَ}.
{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)} {وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} يبدل منه {يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ المبطلون} الكافرون أي يظهر خسرانهم بأن يصيروا إلى النار.
{وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)} {وترى كُلَّ أُمَّةٍ} أي أهل دين {جَاثِيَةً} على الركب أو مجتمعة {كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كتابها} كتاب أعمالها ويقال لهم: {اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي جزاءه.
{هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (29)} {هذا كتابنا} ديوان الحفظة {يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ} نثبت ونحفظ {مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (30)} {فَأَمَّا الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ} جنته {ذَلِكَ هُوَ الفوز المبين} البيّن الظاهر.
{وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ (31)} {وَأَمَّا الذين كَفَرُواْ} فيقال لهم: {أَفَلَمْ تَكُنْ ءاياتي} القرآن {تتلى عَلَيْكُمْ فاستكبرتم} تكبّرتم {وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ} كافرين؟
{وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (32)} {وَإِذَا قِيلَ} لكم أيها الكفار {إِنَّ وَعْدَ الله} بالبعث {حَقٌّ والساعة} بالرفع والنصب {لاَ رَيْبَ} شكّ {فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِى مَا الساعة إِن} ما {نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} قال المبرد: أصله إن نحن إلا نظن ظناً {وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ} أنها آتية.
{وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (33)} {وَبَدَا} ظهر {لَهُمْ} في الآخرة {سَيّئَاتُ مَا عَمِلُواْ} في الدنيا، أي جزاؤها {وَحَاقَ} نزل {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} أي العذاب.
{وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34)} {وَقِيلَ اليوم ننساكم} نترككم في النار {كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا} أي تركتم العمل للقائه {ومأواكم النار وَمَا لَكُمْ مِّن ناصرين} مانعين منه.
{ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)} {ذلكم بِأَنَّكُمُ اتخذتم ءايات الله} القرآن {هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الحياة الدنيا} حتى قلتم لا بعث ولا حساب {فاليوم لاَ يُخْرَجُونَ} بالبناء للفاعل وللمفعول {مِنْهَا} من النار {وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أي لا يطلب منهم أن يرضوا ربهم بالتوبة والطاعة، لأنها لا تنفع يومئذ.
{فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36)} {فَلِلَّهِ الحمد} الوصف بالجميل على وفاء وعده في المكذبين {رَبِّ السماوات وَرَبِّ الأرض رَبِّ العالمين} خالق ما ذكر، والعالم ما سوى الله، وجمع لاختلاف أنواعه، ورب بدل.
{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)} {وَلَهُ الكبريآء} العظمة {فِي السماوات والأرض} حال، أي كائنة فيهما {وَهُوَ العزيز الحكيم} تقدم.
{حم (1)} {حم} الله أعلم بمراده به.
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (2)} {تَنزِيلُ الكتاب} القرآن مبتدأ {مِنَ الله} خبره {العزيز} في ملكه {الحكيم} في صنعه.
{مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (3)} {مَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ} خلقاً {بالحق} ليدل على قدرتنا ووحدانيتنا {وَأَجَلٍ مُّسَمًّى} إلى فنائهما يوم القيامة {والذين كَفَرُواْ عَمّآ أُنذِرُواْ} خُوفوا به من القرآن {مُّعْرِضُونَ}.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4)} {قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أخبروني {مَّا تَدْعُونَ} تعبدون {مِن دُونِ الله} أي الأصنام مفعول أول {أَرُونِىَ} أخبروني ما تأكيد {مَاذَا خَلَقُواْ} مفعول ثان {مِنَ الأرض} بيان ما {أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ} مشاركة {فِى} خلق {السموات} مع الله وأم بمعنى همزة الإِنكار {ائتونى بكتاب} منزل {مِّن قَبْلِ هاذآ} القرآن {أَوْ أثارة} بقية {مِّنْ عِلْمٍ} يؤثر عن الأولين بصحة دعواكم في عبادة الأصنام أنها تقرّبكم إلى الله {إِن كُنتُمْ صادقين} في دعواكم.
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} {وَمَنْ} استفهام بمعنى النفي أي لا أحد {أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُواْ} يعبد {مِن دُونِ الله} أي غيره {مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إلى يَوْمِ القيامة} وهم الأصنام لا يجيبون عابديهم إلى شيء يسألونه أبداً {وَهُمْ عَن دُعَآئِهِمْ} عبادتهم {غافلون} لأنهم جماد لا يعقلون.
{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)} {وَإِذَا حُشِرَ الناس كَانُواْ} أي الأصنام {لَهُمْ} لعابديهم {أَعْدآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ} بعبادة عابديهم {كافرين} جاحدين.
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)} {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} أي أهل مكة {ءاياتنا} القرآن {بينات} ظاهرات حال {قَالَ الذين كَفَرُواْ} منهم {لِلْحَقِّ} أي القرآن {لَمَّا جَآءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ} بيِّن ظاهر.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلَا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئًا هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَى بِهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (8)} {أَمْ} بمعنى بل وهمزة الإِنكار {يَقُولُونَ افتراه} أي القرآن؟ {قُلْ إِنِ افتريته} فرضاً {فَلاَ تَمْلِكُونَ لِى مِنَ الله} أي من عذابه {شَيْئاً} أي لا تقدرون على دفعه عني إذا عذبني الله {هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ} تقولون في القرآن {كفى بِهِ} تعالى {شَهِيداً بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الغفور} لمن تاب {الرحيم} به فلم يعاجلكم بالعقوبة.
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (9)} {قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً} بديعاً {مِّنَ الرسل} أي أوّل مرسل، قد سبق قبلي كثيرون منهم فكيف تكذبوني؟ {وَمَآ أَدْرِى مَا يُفْعَلُ بِى وَلاَ بِكُمْ} في الدنيا أأخرج من بلدي، أم أقتل كما فعل بالأنبياء قبلي؟ أو ترموني بالحجارة؟ أم يخسف بكم كالمكذبين قبلكم {إِن} ما {أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يوحى إِلَىَّ} أي القرآن، ولا أبتدع من عندي شيئاً {وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} بيِّن الإِنذار.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآَمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10)} {قُلْ أَرَءَيْتُمْ} أخبروني ماذا حالكم {إِن كَانَ} أي القرآن {مِنْ عِندِ الله وَكَفَرْتُمْ بِهِ} جملة حالية {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِى إسراءيل} هو عبد الله بن سلام {على مِثْلِهِ} أي عليه أنه من عند الله {فَئَامَنَ} الشاهد {واستكبرتم} تكبرتم عن الإِيمان. وجواب الشرط بما عطف عليه ألستم ظالمين؟ دل عليه {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين}.
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ (11)} {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} أي في حقهم {لَوْ كَانَ} الإِيمان {خَيْراً مَّا سَبَقُونآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ} أي القائلون {بِهِ} أي القرآن {فَسَيَقُولُونَ هاذآ} أي القرآن {إِفْكٌ} كذب {قَدِيمٌ}.
{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)} {وَمِن قَبْلِهِ} أي القرآن {كِتَابُ موسى} أي التوراة {إَمَامًا وَرَحْمَةً} للمؤمنين به حالان {وهذا} أي القرآن {كتاب مُّصَدّقٌ} للكتب قبله {لِّسَاناً عَرَبِيّاً} حال من الضمير في مصدّق {لِّيُنذِرَ الذين ظَلَمُواْ} مشركي مكة {وَ} هو {بُشْرَىً لِّلْمُحْسِنِينَ} المؤمنين.
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13)} {إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا} على الطاعة {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
{أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)} {أولئك أصحاب الجنة خالدين فِيهَا} حال {جَزآءَ} منصوب على المصدر بفعله المقدّر أي يجزون {بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)} {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ إحسانا} وفي قراءة إحسانا أي أمرناه أن يحسن إليهما، فنصب إحسانا على المصدر بفعله المقدّر، ومثله حسناً {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} أي على مشقة {وَحَمْلُهُ وفصاله} من الرضاع {ثَلاَثُونَ شَهْراً} ستة أشهر أقلّ مدّة الحمل، والباقي أكثر مدّة الرضاع. وقيل: إن حملت به ستة أو تسعة أرضعته الباقي {حتى} غاية لجملة مقدّرة: أي وعاش حتى {إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} هو كمال قوّته وعقله ورأيه: أقله ثلاث وثلاثون سنة أو ثلاثون {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} أي تمامها وهو أكثر الأشدّ {قَالَ رَبِّ} الخ نزل في أبي بكر الصديق لما بلغ أربعين سنة بعد سنتين من مبعث النبي صلى الله عليه وسلم آمن به ثم آمن أبواه ثم ابنه عبد الرحمن وابن عبد الرحمن أبو عتيق {أَوْزِعْنِى} ألهمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التى أَنْعَمْتَ} بها {عَلَىَّ وعلى وَالِدَىَّ} وهي التوحيد {وَأَنْ أَعْمَلَ صالحا ترضاه} فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله {وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِى} فكلهم مؤمنون {إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ المسلمين}.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)} {أولئك} أي قائلو هذا القول أبو بكر وغيره {الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ} بمعنى حسن {مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سيئاتهم فِى أصحاب الجنة} حال أي كائنين في جملتهم {وَعْدَ الصدق الذى كَانُواْ يُوعَدُونَ} في قوله تعالى {وَعَدَ الله المؤمنين والمؤمنات جنات} [72: 9].
{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)} {والذى قَالَ لوالديه} بالإفراد أريد به الجنس {أُفٍّ} بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نتناً وقبحاً {لَّكُمآ} أتضجَّر منكما {أَتَعِدَانِنِى} وفي قراءة بالإِدغام {أَنْ أُخْرَِجْ} من القبر {وَقَدْ خَلَتِ القرون} الأمم {مِن قَبْلِى} ولم تخرج من القبور {وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ الله} يسألانه الغوث برجوعه ويقولان إِن لم ترجع {وَيْلَكَ} أي هلاكاً بمعنى هلكت {ءَامِنْ} بالبعث {إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هاذآ} أي القول بالبعث {إِلاَّ أساطير الأولين} أكاذيبهم.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)} {أولئك الذين حَقَّ} وجب {عَلَيْهِمُ القول} بالعذاب {فِى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الجن والإنس إِنَّهُمْ كَانُواْ خاسرين}.
{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)} {وَلِكُلٍّ} من جنس المؤمن والكافر {درجات} فدرجات المؤمنين في الجنة عالية، ودرجات الكافرين في النار سافلة {مّمَّا عَمِلُواْ} أي المؤمنون من الطاعات والكافرون من المعاصي {وَلِيُوَفِّيَهُمْ} أي الله. وفي قراءة (ولنوفيهم) بالنون {أعمالهم} أي جزاءها {وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} شيئاً يُنْقَص للمؤمنين ويزاد للكفار.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20)} {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} بأن تُكشف لهم، يقال لهم {أَذْهَبْتُمْ} بهمزة، وبهمزتين، وبهمزة ومدّة، وبهما وتسهيل الثانية {طيباتكم} باشتغالكم بلذاتكم {فِى حَيَاتِكُمُ الدنيا واستمتعتم} تمتعتم {بِهَا فاليوم تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهون} أي الهوان {بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} تتكبرون {فِى الأرض بِغَيْرِ الحق وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ} به وتعذبون بها.
{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21)} {واذكر أَخَا عَادٍ} هو هود عليه السلام {إِذْ} الخ بدل اشتمال {أَنذَرَ قَوْمَهُ} خوّفهم {بالأحقاف} واد باليمن به منازلهم {وَقَدْ خَلَتِ النذر} مضت الرسل {مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} أي من قبل هود ومن بعده إلى أقوامهم {إِ} ن أي بأن قال {تَعْبُدُواْ إِلاَّ الله} وجملة «وقد خلت» معترضة {إِنِّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} إن عبدتم غير الله {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
{قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آَلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22)} {قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا} لتصرفنا عن عبادتها {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ} من العذاب على عبادتها {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في أنه يأتينا.
{قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23)} {قَالَ} هود {إِنَّمَا العلم عِندَ الله} هو الذي يعلم متى يأتيكم العذاب {وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ} إليكم {ولكنى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} باستعجالكم العذاب.
{فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (24)} {فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي ما هو العذاب {عَارِضاً} سحاباً عرض في أفق السماء {مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} أي مطرأتانا. قال تعالى: {بَلْ هُوَ مَا استعجلتم بِهِ} من العذاب {رِيحٌ} بدل من ما {فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} مؤلم.
{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (25)} {تُدَمِّرُ} تهلك {كُلِّ شَئ} مرت عليه {بِأَمْرِ رَبِّهَا} بإرادته أي كل شيء أراد إهلاكه بها، فأهلكت رجالهم ونساءهم وصغارهم وأموالهم بأن طارت بذلك بين السماء والأرض ومزقته وبقي هود ومن آمن معه {فَأْصْبَحُواْ لاَ تُرَى اإلا مساكنهم كذلك} كما جزيناهم {نَجْزِي القوم المجرمين} غيرهم.
{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (26)} {وَلَقَدْ مكناهم فِيمآ} في الذي {إِن} نافية أو زائدة {مكناكم} يا أهل مكة {فِيهِ} من القوة والمال {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً} بمعنى أسماعاً {وأبصارا وَأَفْئِدَةً} قلوبا {فَمَآ أغنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أبصارهم وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَئ} أي شيئاً من الإِغناء و«من» زائدة {إِذْ} معموله لأغنى وأشربت معنى التعليل {كَانُواْ يَجْحَدُونَ بئايات الله} بحججه البينة {وَحَاقَ} نزل {بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} أي العذاب.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27)} {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ القرى} أي أهلها كثمود وعاد وقوم لوط {وَصَرَّفْنَا الأيات} كررنا الحجج البينات {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}.
{فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آَلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (28)} {فَلَوْلا} هلا {نَصَرَهُمُ} بدفع العذاب عنهم {الذين اتخذوا مِن دُونِ الله} أي غيره {قُرْبَاناً} متقرباً بهم إلى الله {ءَالِهَةً} معه وهم الأصنام ومفعول اتخذ الأول ضمير محذوف يعود على الموصول أي هم وقربانا الثاني وآلهة بدل منه {بَلْ ضَلُّواْ} غابوا {عَنْهُمْ} عند نزول العذاب {وذلك} أي اتخاذهم الأصنام آلهة قربانا {إِفْكُهُمْ} كذبهم {وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} يكذبون، وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف أي فيه.
{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)} {وَ} اذكر {إِذْ صَرَفْنَا} أَمَلَنا {إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ الجن} جن نصيبين من اليمن، أو جن نينوى وكانوا سبعة أو تسعة، (وكان صلى الله عليه وسلم ببطن نخل يصلي بأصحابه الفجر) رواه الشيخان {يَسْتَمِعُونَ القرءان فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ} أي قال بعضهم لبعض {أَنصِتُواْ} أصغوا لاستماعه {فَلَمَّا قُضِىَ} فرغ من قراءته {وَلَّوْاْ} رجعوا {إلى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ} مخوّفين قومهم العذاب إن لم يؤمنوا وكانوا يهوداً وقد أسلموا.
{قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)} {قَالُواْ ياقومنا إِنَّا سَمِعْنَا كتابا} هو القرآن {أُنزِلَ مِن بَعْدِ موسى مُصَدِّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} أي تقدمه كالتوراة {يَهْدِى إِلَى الحق} الإِسلام {وإلى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ} أي طريقه.
{يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)} {ياقومنا أَجِيبُواْ دَاعِىَ الله} محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإِيمان {وَءَامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ} الله {لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} أي بعضها لأن منها المظالم ولا تغفر إلا برضا أربابها {وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} مؤلم.
{وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)} {وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الأرض} أي لا يعجز الله بالهرب منه فيفوته {وَلَيْسَ لَهُ} لمن لا يُجِيبُ {مِن دُونِهِ} أي الله {أَوْلِيَاء} أنصار يدفعون عنه العذاب {أولئك} الذين لم يجيبوا {فِى ضلال مُّبِينٍ} بيّن ظاهر.
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)} {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} يعلموا، أي منكرو البعث {أَنَّ الله الذى خَلَقَ السموات والأرض وَلَمْ يَعْىَ بِخَلْقِهِنَّ} لم يعجز عنه {بِقَادِرٍ} خبر أنَّ وزيدت الباء فيه لأن الكلام في قوة أليس الله بقادر؟ {على أَن يُحْىِ الموتى بلى}؟ هو قادر على إحياء الموتى {إِنَّهُ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ}.
{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)} {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار} بأن يعذبوا بها يقال لهم {أَلَيْسَ هذا} التعذيب {بالحق قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}.
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35)} {فاصبر} على أذى قومك {كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم} ذوو الثبات والصبر على الشدائد {مَّنَ الرسل} قبلك فتكون ذا عزم، ومن للبيان فكلهم ذوو عزم وقيل للتبعيض فليس منهم آدم لقوله تعالى {وَلَمْ نَجِدْ له عزماً} [115: 20] ولا يونس لقوله تعالى {وَلاَ تَكُنْ كَصِاحِبِ الْحُوتِ} [48: 68] {وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} لقومك نزول العذاب بهم، قيل: كأنه ضجر منهم فأحب نزول العذاب بهم فأمر بالصبر وترك الاستعجال للعذاب فإنه نازل بهم لا محالة {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ} من العذاب في الآخرة لطوله {لَّمْ يَلْبَثُواْ} في الدنيا في ظنهم {إِلاَّ سَاعَةً مّن نَّهَارٍ} هذا القرآن {بَلاَغٌ} تبليغ من الله إليكم {فَهَلْ} أي لا {يُهْلَكُ} عند رؤية العذاب {إِلاَّ القوم الفاسقون} أي الكافرون.
{الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1)} {الذين كَفَرُواْ} من أهل مكة {وَصَدُّواْ} غيرهم {عَن سَبِيلِ الله} أي الإِيمان {أَضَلَّ} أحبط {أعمالهم} كإطعام الطعام وصلة الأرحام، فلا يرون لها في الآخرة ثواباً ويجزون بها في الدنيا من فضله تعالى.
{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2)} {والذين ءَامَنُواْ} أي الأنصار وغيرهم {وَعَمِلُواْ الصالحات وَءامَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} أي القرآن {وَهُوَ الحق مِن رَّبّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ} غفر لهم {سَيّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} أي حالهم فلا يعصونه.
{ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3)} {ذلك} أي إضلال الأعمال وتكفير السيئات {بِأَنَّ} بسبب أن {الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل} الشيطان {وَأَنَّ الذين ءَامَنُواْ اتبعوا الحق} القرآن {مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ} أي مثل ذلك البيان {يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أمثالهم} يبيِّن أحوالهم أي فالكافر يحبط عمله، والمؤمن يغفر له.
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)} {فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب} مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي فاضربوا رقابهم: أي اقتلوهم وعبر بضرب الرقاب أن الغالب في القتل أن يكون بضرب الرقبة {حتى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} أكثرتم فيهم القتل {فَشُدُّواْ} أي فأمسكوا عنهم وأسروهم وشدوا {الوثاق} ما يوثق به الأسرى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ} مصدر بدل من اللفظ بفعله، أي تمنون عليهم بإطلاقهم من غير شيء {وَإِمَّا فِدَاءً} أي تفادونهم بمال أو أسرى مسلمين {حتى تَضَعَ الحرب} أي أهلها {أَوْزَارَهَا} أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكفار أو يدخلوا في العهد وهذه غاية للقتل والأسر {ذلك} خبر مبتدأ مقدر، أي الأمر فيهم ما ذكر {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ} بغير قتال {ولكن} أمركم به {لّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} منهم في القتال فيصير من قتل منكم إلى الجنة ومنهم إلى النار {والذين قُتِلُواْ} وفي قراءة «قاتلوا» الآية نزلت يوم أُحد وقد فشا في المسلمين القتل والجراحات {فِى سَبِيلِ الله فَلَن يُضِلَّ} يحبط {أعمالهم}.
{سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5)} {سَيَهْدِيهِمْ} في الدنيا والآخرة إلى ما ينفعهم {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} حالهم فيهما وما في الدنيا لمن لم يقتل وأدرجوا في «قتلوا» تغليباً.
{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)} {وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا} بيَّنها {لَهُمْ} فيهتدون إلى مساكنهم منها وأزواجهم وخدمهم من غير استدلال.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)} {ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله} أي دينه ورسوله {يَنصُرْكُمُ} على عدوكم {وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} يثبتكم في المعترك.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)} {والذين كَفَرُواْ} من أهل مكة مبتدأ خبره تَعِسُوا يدل عليه {فَتَعْساً لَّهُمْ} أي هلاكاً وخيبة من الله {وَأَضَلَّ أعمالهم} عطف علىتعسوا.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)} {ذلك} أي التعس والإِضلال {بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ الله} من القرآن المشتمل على التكاليف {فَأَحْبَطَ أعمالهم}.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10)} {أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عاقبة الذين مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ الله عَلَيْهِمْ} أهلك أنفسهم أولادهم وأموالهم {وللكافرين أمثالها} أي أمثال عاقبة ما قبلهم.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11)} {ذلك} أي نصر المؤمنين وقهر الكافرين {بِأَنَّ الله مَوْلَى} وليّ وناصر {الذين ءامَنُواْ وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ}.
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12)} {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ} في الدنيا {وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام} أي ليس لهم همٌّ إلا بطونهم وفروجهم ولا يلتفتون إلى الآخرة {والنار مَثْوًى لَّهُمْ} أي مَنْزل ومقام ومصير.
{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13)} {وَكَأَيِّن} وكم {مِن قَرْيَةٍ} أريد بها أهلها {هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ} مكة أي أهلها {التى أَخْرَجَتْكَ} روعي لفظ قرية {أهلكناهم} روعي معنى قرية الأولى {فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ} من إهلاكنا.
{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (14)} {أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ} حجة وبرهان {مِّن رَّبِّهِ} وهم المؤمنون {كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} فرآه حسناً وهم كفار مكة {واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} في عبادة الأوثان؟ أي لا مماثلة بينهما.
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (15)} {مَثَلُ} أي صفة {الجنة التى وُعِدَ المتقون} المشتركة بين داخليها مبتدأ خبره {فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ} بالمدّ والقصر كضارب وحَذِر، أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير لعارض {وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} بخلاف لبن الدنيا لخروجه من الضروع {وأنهار مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ} لذيذة {لِلشَّارِبِينَ} بخلاف خمر الدنيا فإنها كريهة عند الشرب {وأنهار مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} بخلاف عسل الدنيا فإنه بخروجه من بطون النحل يخالط الشمع وغيره {وَلَهُمْ فِيهَا} أصناف {مِن كُلِّ الثمرات وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ} فهو راض عنهم مع إحسانه إليهم بما ذكر بخلاف سيد العبيد في الدنيا فإنه قد يكون مع إحسانه إليهم ساخطاً عليهم {كَمَنْ هُوَ خالد فِى النار} خبر مبتدأ مقدّر، أي أمّن هو في هذا النعيم {وَسُقُواْ مَاءً حَمِيماً} أي شديد الحرارة {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} أي مصارينهم فخرجت من أدبارهم، وهو جمع مِعىً بالقصر وألفه عن ياء لقولهم معيان.
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16)} {وَمِنْهُمُ} أي الكفار {مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ} في خطبة الجمعة وهم المنافقون {حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم} لعلماء الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس استهزاء وسخرية {مَاذَا قَالَ ءَانِفاً} بالمدّ والقصر، أي الساعة، أي لا نرجع إليه {أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ} بالكفر {واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ} في النفاق.
{وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)} {والذين اهتدوا} وهم المؤمنون {زَادَهُمْ} الله {هُدًى وءاتاهم تَقُوَاهُمْ} ألهمهم ما يتقون به النار.
{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (18)} {فَهَلْ يَنظُرُونَ} ما ينتظرون أي كفار مكة {إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ} بدل اشتمال من الساعة أي ليس الأمر إلا أن تأتيهم {بَغْتَةً} فجأة {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} علاماتها: منها بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وانشقاق القمر والدخان {فأنى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ} الساعة {ذِكْرَاهُمْ} تذكرهم؟ أي لا ينفعهم.
{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} {فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إلالله} أي دم يا محمد على علمك بذلك النافع في القيامة {واستغفر لِذَنبِكَ} لأجله قيل له ذلك مع عصمته لتستنّ به أمته وقد فعله قال صلى الله عليه وسلم: «إني لأستغفر الله في كل يوم مائة مرة» {وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات} فيه إكرام لهم بأمر نبيهم بالاستغفار لهم {والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} متصرفكم لأشغالكم بالنهار {وَمَثْوَاكُمْ} مأواكم إلى مضاجعكم بالليل، أي هو عالم بجميع أحوالكم لا يخفى عليه شيء منها فاحذروه، والخطاب للمؤمنين وغيرهم.
{وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (20)} {وَيَقُولُ الذين ءَامَنُواْ} طلباً للجهاد {لَوْلاَ} هلا {نُزِّلَتْ سُورَةٌ} فيها ذكر الجهاد {فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ} أي لم ينسخ منها شيء {وَذُكِرَ فِيهَا القتال} أي طلبه {رَأَيْتَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} أي شك وهم المنافقون {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشى} المغمي {عَلَيْهِ مِنَ الموت} خوفاً منه وكراهية له، أي فهم يخافون من القتال ويكرهونه {فأولى لَهُمْ} مبتدأ خبره.
{طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (21)} {طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} أي حسن لك {فَإِذَا عَزَمَ الأمر} أي فرض القتال {فَلَوْ صَدَقُواْ الله} في الإِيمان والطاعة {لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ} وجملة لو جواب إذا.
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)} {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} بكسر السين وفتحها وفيه التفات عن الغيبة إلى الخطاب أي لعلكم {إِن تَوَلَّيْتُمْ} أعرضتم عن الإِيمان {أَن تُفْسِدُواْ فِى الأرض وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ} أي تعودوا إلى أمر الجاهلية من البغي والقتال.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23)} {أولئك} أي المفسدون {الذين لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ} عن استماع الحق {وأعمى أبصارهم} عن طريق الهداية.
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)} {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرءان} فيعرفون الحق {أَمْ} بل {على قُلُوبٍ} لهم {أَقْفَالُهَآ} فلا يفهمونه؟
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)} {إِنَّ الذين ارتدوا} بالنفاق {على أدبارهم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى الشيطان سَوَّلَ} أي زيَّن {لَهُمْ وَأُمْلَى لَهُمْ} بضم أوّله، وبفتحه واللام والمملي الشيطان بإرادته تعالى، فهو المضل لهم.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)} {ذلك} أي إضلالهم {بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله} أي للمشركين {سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الأمر} أي المعاونة على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيط الناس عن الجهاد معه، قالوا ذلك سراً فأظهره الله تعالى {والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ} بفتح الهمزة جمع سرّ، وبكسرها مصدر.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)} {فَكَيْفَ} حالهم {إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ} حال من الملائكة {وُجُوهَهُمْ وأدبارهم} ظهورهم بمقامع من حديد؟
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28)} {ذلك} أي التوفي على الحالة المذكورة {بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ} أي العمل بما يرضيه {فَأَحْبَطَ أعمالهم}.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)} {أَمْ حَسِبَ الذين فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أضغانهم} يظهر أحقادهم على النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين؟
{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)} {وَلَوْ نَشآءُ لأريناكهم} عرفناكم، وكرّرت اللام في {فَلَعَرَفْتَهُم بسيماهم} علاماتهم {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ} الواو لقسم محذوف، وما بعدها جوابه {فِى لَحْنِ القول} أي معناه إذا تكلموا عندك بأن يعرّضوا بما فيه تهجين أمر المسلمين {والله يَعْلَمُ أعمالكم}.
{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)} {وَلَنَبْلُوَنَّكُم} نختبركم بالجهاد وغيره {حتى نَعْلَمَ} علم ظهور {المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} في الجهاد وغيره {وَنَبْلُوَاْ} نظهر {أَخْبَارَكُمْ} من طاعتكم وعصيانكم في الجهاد وغيره بالياء والنون في الأفعال الثلاثة.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)} {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} طريق الحق {وَشَآقُّواْ الرسول} خالفوه {مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} هو معنى سبيل الله {لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} يبطلها من صدقة ونحوها فلا يرون لها في الآخرة ثواباً، نزلت في المطعمين من أصحاب بدر، أو في قريظة والنضير.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)} {ياأيها الذين ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول وَلاَ تُبْطِلُواْ أعمالكم} بالمعاصي مثلاً.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)} {إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} طريقه وهو الهدى {ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ} نزلت في أصحاب القليب.
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)} {فَلاَ تَهِنُواْ} تضعفوا {وَتَدْعُواْ إِلَى السلم} بفتح السين وكسرها، أي الصلح مع الكفار إذا لقيتموهم {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} حذفت منه واو لام الفعل: الأغلبون القاهرون {والله مَعَكُمْ} بالعون والنصر {وَلَن يَتِرَكُمْ} ينقصكم {أعمالكم} أي ثوابها.
{إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36)} {إِنَّمَا الحياوة الدنيا} أي الاشتغال فيها {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ} الله وذلك من أمور الآخرة {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْئَلْكُمْ أموالكم} جميعها، بل الزكاة المفروضة فيها.
{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)} {إن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} يبالغ في طلبها {تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ} البخل {أضغانكم} لدين الإِسلام.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)} {هاأنتم} يا {هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ الله} ما فرض عليكم {فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} يقال بخل عليه وعنه {والله الغنى} عن نفقتكم {وَأَنتُمُ الفقرآء} إليه {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ} عن طاعته {يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} أي يجعلهم بدلكم {ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أمثالكم} في التولي عن طاعته، بل مطيعين له عزّ وجلّ.
|